ما الحكمة من تحريم لحم الخنزير؟
** يجيب فضيلة الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر فيقول: الأصل أن يطيع المسلم ربه فيما أمره. وينتهي عما نهاه سواء أظهرت حكمته سبحانه في ذلك أم لم تظهر.
قال تعالي: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلاً مبيناً".
ولا مانع من البحث عن الحكمة بعد ذلك لكي تكون عوناً للمسلم علي إقناع الآخرين وإقامة الحجة عليهم وحتي يزداد المؤمن إيماناً.
وقد حرَّم الإسلام تناول لحم الخنزير وتضافرت الأدلة علي ذلك. ومنها قوله تعالي: "قل لا أجد في ما أوحي إليَّ محرماً علي طاعم يطعمه إلاأن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهلَّ لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم".
وقوله تعالي: "حرمت عليكُم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح علي النصب وأن تستقسموا بالأزلام...."
فظاهر هاتين الآتيين يفيد حرمة تناول لحم الخنزير إلا أن العلماء قالوا بحرمة تناول جميع أجزائه كذلك وإن لم تكن من قبيل اللحم. وعللوا تخصيص اللحم بالذكر في الآتيين دون بقية أجزاء الخنزير بأن اللحم معظم المقصود من الخنزير. ولهذا فقد حكي الإمامان النووي وابن قدامة اجماع المسلمين علي تحريم تناول أي جزء من الخنزير.
وقال ابن حزم: أجمعت أقوال العلماء علي حرمته فلا يحل أكل شيء منه. سواء في ذلك لحمه أو شحمه أو عصبه أو غضروفه أو حشوته أو مخه أو أطرافه أو غير ذلك منه.
وإذا كان الشارع قد بين العلة من حرمة تناوله بأنه رجس أي نجس والنجس يجب علي المسلم اجتنابه إلا أنه لم يحرم لذلك فقط. وإنما حرم لخبثه واشتماله علي كثير من الأضرار. فقد أثبتت الأبحاث العلمية والطبية أن الخنزير من بين سائر الحيوانات يعد أكبر مستودع للجراثيم الضارة بجسم الإنسان حيث ينشأ من تناوله العديد من الأمراض القاتلة ومنها: الأمراض الطفيلية مثل ما ينشأ عن الدودة اللولبية التي تعد من أخطر الديدان بالنسبة للإنسان ولا يخلو منها لحم الخنزير. وتتركز في عضلات آكل لحم الخنزير المحتوي علي هذه الديدان وتسبب له آلاماً شديدة تشل حركة هذه العضلات. كما تتركز بالحجاب الحاجز وتؤدي كثرتها به إلي وقف التنفس ثم الموت. كما يحتوي لحم الخنزير علي ديدان الأسكارس التي تسبب الالتهاب الرئوي وانسداد الأمعاء. وديدان الإنكلستوما والبلهارسيا والدوسنتاريا التي تسبب النزف وفقر الدم.
إلي جانب الأمراض البكتيرية. والفيروسية والجرثومية المتعددة التي يسببها تناول لحم الخنزير وهناك أيضاً أمراض تنشأ عن التركيب البيولوجي للحم الخنزير وشحمه مثل زيادة نسبة حمض البوليك بالدم لأن الخنزير لا يخرج من هذا الحمض إلا نسبة 2% والباقي يصبح جزءاً من لحمه. كل هذه الأضرار وغيرها دليل علي أن الشارع الحكيم لم يحرم تناول لحم الخنزير إلا لحكمة جليلة هي الحفاظ علي النفس التي يعد الحفاظ عليها أحد الضروريات الخمس في الشريعة الغراء.
والله أعلم